کد مطلب:167924 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:297

قتل رشید الهجری
وممّن قُتل من رجالات الشیعة وأعلامها فی تلك الایّام رُشید الهَجَری (رض) [1] ، فقد روی الكشّی بسندٍ عن أبی حیّان البجلی، عن قنوا بنت


رشید الهجری (رض): قال أبوحیّان: (قلتُ لها: أخبرینی ما سمعت من أبیك.


قالت: سمعتُ أبی یقول: أخبرنی أمیرالمؤمنین صلوات اللّه علیه، فقال: یا رشید، كیف صبرك إذا أرسل إلیك دعیُّ بنی أمیّة فقطع یدیك ورجلیك ولسانك؟

قلت: یا أمیرالمؤمنین، آخر ذلك إلی الجنّة؟

فقال: یا رشید، أنت معی فی الدنیا والاخرة!

قالت: فواللّه ما ذهبت الایّام حتّی أرسل إلیه عبیداللّه بن زیاد الدعیّ، فدعاه إلی البرأة من أمیرالمؤمنین علیه السلام، فأبی أن یبراء منه!

فقال له الدعیّ: فبأیّ میتة قال لك تموت!؟

فقال له: أخبرنی خلیلی أنّك تدعونی إلی البراءة منه فلاأبراء منه، فتقدّمنی فتقطع یدیّ ورجلیَّ ولسانی!

فقال: واللّه لاكذبنّ قوله فیك.

قالت: فقدّموه فقطعوا یدیه ورجلیه وتركوا لسانه، فحملتُ أطراف یدیه ورجلیه، فقلت: یا أبتِ، هل تجد ألماً لما أصابك!؟ [2] .

فقال: لایا بُنیّة إلاّ كالزحام بین الناس!

فلمّا احتملناه وأخرجناه من القصر اجتمع الناس حوله.

فقال: إئتونی بصحیفة ودواة أكتبْ لكم ما یكون إلی قیام الساعة! فأُرسل إلیه


الحجّام حت ی یقطع لسانه، فمات رحمة اللّه علیه فی لیلته.). [3] .

وروی الكشّی أیضاً بسند عن فضیل بن الزبیر قال: (خرج أمیرالمؤمنین علیه السلام یوماً إلی بستان البرنی، ومعه أصحابه، فجلس تحت نخلة، ثمّ أمر بنخلة فلُقطت فأُنزل منها رطب فوضع بین ایدیهم، قالوا: فقال رشید الهجری: یا أمیرالمؤمنین، ما أطیب هذا الرطب!

فقال: یا رشید، أما إنّك تُصلب علی جذعها!

فقال رشید فكنتُ أختلف إلیها طرفی النهار أسقیها!

ومضی أمیرالمؤمنین علیه السلام، قال فجئتها یوماً وقد قُطع سعفها، قلتُ اقترب أجلی، ثمّ جئت یوماً فجاء العریف فقال: أجب الامیر.

فأتیته، فلمّا دخلت القصر فإذا الخشب مُلقی، ثمّ جئت یوماً آخر فإذا النصف الاخر قد جُعل زرنوقاً [4] یُستقی علیه الماء، فقلت ما كذبنی خلیلی! فأتانی العریف فقال: أجب الامیر. فأتیته، فلمّا دخلت القصر إذا الخشب مُلقی، فإذا فیه الزرنوق! فجئت حتی ضربت الزرنوق برجلی ثمّ قلتُ: لك غُذیتُ ولی أنبتَّ! ثمّ أُدخلت


علی عبیداللّه بن زیاد.

فقال: هات من كذب صاحبك!

فقلت: واللّه ما أنا بكذّاب ولاهو، ولقد أخبرنی أنك تقطع یدی ورجلی ولسانی.

قال: إذاً واللّه نكذّبه، إقطعوا یده ورجله، وأخرجوه!

فلمّا حُمل إلی أهله أقبل یحدّث الناس بالعظائم، وهو یقول: أیها الناس، سلونی فإنّ للقوم عندی طلبة لم یقضوها. فدخل رجل علی ابن زیاد فقال له: ما صنعتَ؟ قطعتَ یده ورجله وهو یحدّث الناس بالعظایم!

قال: ردّوه. وقد انتهی إلی بابه، فردّوه فأمر بقطع یدیه ورجلیه ولسانه، وأمر بصلبه.). [5] .


[1] قال السيّد الخوئي (ره): (هو ممّن قُتل في حبّ عليّعليه السلام، قتله ابن زياد، ولاريب في جلالة الرجل وقربه من أميرالمؤمنين عليه السلام، وهو من المتسالم عليه بين الموافق والمخالف، ويكفي ذلك في إثبات عظمته..) (معجم رجال الحديث: 7:191 رقم 4589)، (وكان أميرالمؤمنين عليه السلام يسمّيه رشيد البلايا، وكان قد ألقي إليه علم البلايا والمنايا، وكان حياتَه إذا لقي الرجل قال له: فلان، أنت تموت بميتة كذا، وتُقتل أنت يا فلان بقتلة كذا وكذا، فيكون كما قال رشيد. وكان أميرالمؤمنين عليه السلام يقول: أنت رشيد البلايا! أي تقتل بهذه القتلة، فكان كما قال أميرالمؤمنين عليه السلام.) (اختيار معرفة الرجال، 1:291، رقم 131). وفي (أمالي الطوسي: 165 166، رقم 276/28): (وكان أميرالمؤمنين عليه السلام يسمّيه: رشيد المبتلي.).

وكان (رض) شديد الاجتهاد في العبادة والطاعة، حتي روي عن ابنته قنوا أنها قالت: (قلتُ لابي: ما أشدّ اجتهادك! فقال: يا بُنيّة، سيجيء قوم بعدنا بصائرهم في دينهم أفضل من اجتهاد أولّيهم!) (البحار: 42: 123، باب 122، رقم 6).

ملاحظة مهمّة: قد يخطر في ذهن القاريء الكريم هذا السؤال وهو: إذا كان رشيد الهجري قد قُتل علي يد عبيداللّه بن زياد لعنه اللّه، فهل قتله قبل مقتل الامام الحسين عليه السلام أم بعده؟

وفي معرض الاجابة عن هذا السؤال نقول: إننا لم نعثر علي إشارة تأريخية حسب متابعتنا تحدّد بالضبط اليوم الذي قُتل فيه أو أنّه قُتل قبل مقتل الامام عليه السلام أم بعده، ولكنّ الارجح استنتاجاً هو أنّه قُتل في الايام الاولي من ولاية ابن زياد علي الكوفة، لانّه ابتداء أيّامه الاولي فيها بقتل وجوه الشيعة وحواريّ عليّ والحسن والحسين صلوات اللّه عليهم، بل لعلّه قُتل في اليوم الاوّل من ولاية ابن زياد علي الكوفة، ذلك لانّ بعض المؤرّخين يقول: (لمّا أصبح ابن زياد بعد قدومه إلي الكوفة صال وجال، وأرعد وأبرق، وأمسك جماعة من أهل الكوفة فقتلهم في الساعة، وقد عمد إلي ذلك لاماتة الاعصاب وصرف الناس عن الثورة.) (حياة الامام الحسين بن علي 8، 2:360، عن الفصول المهمّة: 197 ووسيلة المآل: 186)، هذا أولاً، وثانياً: لو أنّ رشيد الهجري (رض) كان حيّاً إلي وقت قيام مسلم عليه السلام أو إلي وقت خروج الامام عليه السلام من مكّة الي العراق أو إلي ما بعد مقتل الامام عليه السلام، فإنَّ المتوقَّع بدرجة كبيرة أن يكون لهذا الشيعي الحواريّ تحرّك محسوس، يناسب كلَّ فترة من تلك الفترات، ودور مهم ملموس لايمكن أن يغفل عنه التأريخ ولو بإشارة موجزة!

وهنا ربّما انقدح في ذهن القاريء الكريم سؤال آخر: وهو إذا كان رشيد(رض) قد قُتل في الايام الاولي من ولاية ابن زياد علي الكوفة، فذلك من مختصات الجزء الثاني من هذه الدراسة، فلماذا لم يأتِ ذكره في ذلك الجزء كما ذُكر ميثم التمّار(رض) مثلاً؟

وفي الاجابة نقول: كان رأي مؤلّف الجزء الثاني أنّ رشيد الهجري (رض) قد قُتل علي يد زياد لاعلي يد عبيد اللّه بن زياد، وكان قد اعتمد في تبنّي هذا الرأي علي الادلّة التالية:

أولاً: في كتاب الارشاد للشيخ المفيد: عن ابن عبّاس، عن مجاهد، عن الشعبي، عن زياد بن النضر الحارثي قال: (كنت عند زياد إذ اُتي برشيد الهجري فقال له زياد: ما قال لك صاحبك يعني علياًعليه السلام إنّا فاعلون بك!؟ قال: تقطعون يدي ورجلي وتصلبونني. فقال زياد: أمَ واللّه لاكذبنّ حديثه، خلّو سبيله. فلما أراد أن يخرج قال زياد: واللّه ما نجد له شيئاً شرّاً ممّا قال له صاحبه، إقطعوا يديه ورجليه واصلبوه. فقال رشيد: هيهات، قد بقي لي عندكم شيء أخبرني به أميرالمؤمنين عليه السلام! فقال زياد: إقطعوا لسانه. فقال رشيد: الان واللّه جاء تصديق خبر أميرالمؤمنين عليه السلام.).

وقال المفيد(ره): وهذا الخبر أيضاً قد نقله المؤالف والمخالف عن ثقاتهم عمّن سمّيناه، واشتهر أمره عند علماء الجميع، وهو من جملة ما تقدّم ذكره من المعجزات والاخبار عن الغيوب.).(الارشاد: 154).

ونقله الطبرسي في (إعلام الوري: 343)، وابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة، 2:294)، وقال السمعاني في (الانساب، 5:627): (كان يؤمن بالرجعة. قال الشعبي: دخلتُ عليه يوماً فقال: خرجتُ حاجّاً فقلتُ لاعهدن بأمير المؤمنين عهداً، فأتيتُ بيت عليّ فقلت لانسان: إستأذن لي علي عليّعليه السلام! قال: أو ليسَ قد مات عليّ(رض)!؟ قلت: قد مات فيكم، واللّه إنه ليتنفّس الان تنفّس الحيّ! فقال: أما إذا قد عرفت سرَّ آل محمّد فادخل! قال: فدخلتُ علي أميرالمؤمنين وأنّبأني بأشياء تكون! فقال له الشعبي: إنْ كُنت كاذباً فلعنك اللّه! وبلغ الخبر زياداً فبعث الي رشيد فقطع لسانه وصلبه علي باب دار عمرو بن حريث.)، وقد نقل العسقلاني هذه القصة بطولها وتفاصيلها في (لسان الميزان، 3:2) وأشار إليها الذهبي في (ميزان الاعتدال، 2: 52).

ثانياً: الروايات التي تقول إنّ عبيداللّه بن زياد هو القاتل ثلاثة:

أ- رواية ابي حيّان البجلي عن قنوا بنت رشيد (الرواية الاولي في المتن).

ب رواية فضيل بن الزبير (وهي الرواية الثانية في المتن).

ج رواية كتاب (الاختصاص: 77) عن أبي حسّان العجلي عن قنوا بنت رشيد الهجري (رض) وهي شبيهة بالرواية الاولي.

وهذه الروايات كلّها ضعيفة، أمّا الاولي والثانية فباعتراف السيّد الخوئي بأنهما ضعيفتان (راجع: معجم رجال الحديث، 7:193)، وأمّا الثالثة فهي من روايات كتاب الاختصاص التي شكّك السيّد الخوئي (ره) في انتسابه إلي الشيخ المفيد(ره) (راجع: معجم رجال الحديث، 7:191)، هذا فضلاً عن أنّ الرواية الاولي في سندها محمد بن عبداللّه بن مهران وهو غالٍ كذّاب فاسد المذهب والحديث، ضعيف (معجم رجال الحديث، 16:247)، والرواية الثانية أيضاً فيها هذا الرجل، إضافة الي فضيل بن الزبير وهو من أصحاب الباقر والصادق فكيف يمكنه الرواية عن عليّعليه السلام، فالرواية إذن مرسلة (راجع: معجم رجال الحديث، 16:326).

والرواية الثالثة رواية الاختصاص مروية عن أبي حسّان العجلي وهو رجل مجهول (راجع: تنقيح المقال، 3:10، الكني).

ثالثاً: إنّ الدعيّ لقب أُطلق علي زياد بن أبيه الذي ادّعي معاوية بن أبي سفيان أنه أخوه لابيه من الزنا بأمّه، وأمّا عبيداللّه بن زياد فهو ابن دعيّهم وليس الدعيّ نفسه.

ويمكن أنّ يُردّ علي ما ذهب إليه مؤلّف الجزء الثاني بما يلي:

1) أنّ رواية الارشاد التي تقول إنّ زياداً هو القاتل ضعيفة لاأقلّ بالشعبي وهو عامر بن شراحيل (قال الشيخ المفيد(ره): وبلغ من نصب الشعبي وكذبه أنه كان يحلف باللّه أنّ عليّاً دخل اللحد وما حفظ القرآن. وبلغ من كذبه أنه قال: لم يشهد الجمل من الصحابة إلاّ أربعة فإن جاؤا بخامس فأنا كذّاب... كان الشعبي سكّيراً خمّيراً مقامراً، روي عن أبي حنيفة أنّه خرق ما سمع منه لمّا رأي خمره وقمره؛ راجع: الفصول المختارة: 171 وقاموس الرجال، 5:612) (الجزء الثاني من هذه الدراسة: 239).

ومن هنا يسري الحكم علي ما ورد في إعلام الوري والانساب وشرح النهج وميزان الاعتدال ولسان الميزان بشأن هذه الرواية لانّ الجميع عن الشعبي!

2) إنّ رواية كتاب الاختصاص لها طريق آخر غير كتاب الاختصاص وهو كتاب (أمالي الطوسي: 165، رقم 276/28، ففيه يروي الطوسي (ره) مباشرة عن أستاذه المفيد(ره)، بسند آخر عن أبي حسّان العجلي، وبهذا ينتفي اثر عدم قبول هذه الرواية بسبب التشكيك في كون كتاب الاختصاص من تأليف الشيخ المفيد(ره)!

3) صحيح أنّ لقب الدعيّ أطلق علي زياد بسبب ادّعاء معاوية بأنه أخوه لابيه من الزنا، ولكنّ هذا لايمنع من إطلاق هذا اللقب علي ابنه عبيداللّه أيضاً، ألم تسمع قول الامام الحسين عليه السلام: (الاوإنّ الدعيّ بن الدعيّ قد ركز بين اثنتين، بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة) (مقتل الحسين عليه السلام، للمقرّم: 234) وقول عبداللّه بن يقطر(رض): (ايها الناس، أنا رسول الحسين بن فاطمة بنت رسول اللّه 9 إليكم لتنصروه وتؤازروه علي ابن مرجانة وابن سميّة الدعيّ بن الدعيّ) (إبصار العين: 93).

4) الرسالة الاحتجاجية الكبيرة التي بعث بها الامام الحسين عليه السلام إلي معاوية، والتي احتجّ فيها عليه في جملة ما احتجّعليه السلام به بقتله مجموعة من أعلام شيعة علي عليه السلام، كحجر بن عدي، وعمرو بن الحمق الخزاعي، والحضرميين، هذه الرسالة كتبها الامام عليه السلام بعد أن أخذ معاوية الناس بالبيعة لابنه يزيد بولاية العهد (وأخذك الناس ببيعة إبنك، غلام حدث يشرب الخمر، ويلعب بالكلاب...) (اختيار معرفة الرجال، 1:252، رقم 99)، فهذه الرسالة إذن كان الامام عليه السلام قد بعثها إلي معاوية بعد موت زياد بن أبيه، لانّ معاوية إنّما أخذ الناس بهذه البيعة ليزيد بعد موت زياد لمعارضته الشديدة لذلك.

فلوكان زياد هو قاتل رشيد الهجري (رض) لكان الامام عليه السلام علي احتمالٍ قويّ قد احتجّ علي معاوية أيضاً بقتل رشيد(رض) لمنزلته الخاصة عند عليّعليه السلام والتي قد لاتقلّ عن منزلة حجر بن عدي (رض) وعمرو بن الحمق الخزاعي (رض) والحضرميين (رض)، وفي هذا مؤيّد قويّ علي أنّ زياداً ليس هو قاتل رشيد(رض) بل إبنه عبيداللّه!.

[2] لو كان هذا السؤال موجّهٌ إلي إنسان وخزته شوكة أو جرحت يده سكين جرحاً بسيطاً لكان سؤالاً في محلّه، أمّا أنْ يوجّه هذا السؤال إلي رجل قطعت يداه ورجلاه فهذا كاشف عن أنَّ السائل يعلم أنَّ هذا الرجل علي مستويً عال جداً من الناحية المعنوية والرياضة الروحية إلي درجة أنّه يتسامي علي الالام العظيمة فهي عنده طفيفة جداً أو لايشعر بها، ولقد صدّق رشيد(رض) ظنّ ابنته إذ أجابها: لايا بنيّة إلاّ كالزحام بين الناس!.

[3] اختيار معرفة الرجال، 1 :290-291، رقم 131، وروي الشيخ الطوسي (ره) هذه الرواية بتفاوت، عن الشيخ المفيد(ره) بسند إلي أبي حسّان العجلي، عن بنت رشيد الهجري (رض)، وفيها: (ثمّ دخل عليه جيرانه ومعارفه يتوجّعون له، فقال: إيتوني بصحيفة ودواة أذكر لكم ما يكون ممّا علّمنيه مولاي أميرالمؤمنين عليه السلام، فأتوه بصحيفة ودواة، فجعل يذكر ويُملي عليهم أخبار الملاحم والكائنات، ويسندها إلي أميرالمؤمنين عليه السلام، فبلغ ذلك ابن زياد فأرسل إليه الحجّام حتي قطع لسانه، فمات من ليلته تلك رحمه اللّه.) (أمالي الطوسي: 165،رقم 276/28).

[4] الزرنوق: تثنيته الزرنوقان، وهما منارتان تبنيان علي جانبي رأس البئر.

[5] اختيار معرفة الرجال، 1 :291-292، رقم 132.